الجلطة القلبيةلماذا هي قاتلة
الجلطة القلبية التي يمكن تعريفها بلغة مبسطة أنها عبارة عن انسداد حاد بشكل تام أو شبه تام لأحد شرايين القلب التاجية الرئيسة والذي يؤدي إلى منع تدفق الدم إلى عضلة القلب وعدم تزويدها بالأوكسجين والمواد الضرورية الأخرى مما يسبب موت الخلايا وتلفها وتحولها إلى نسيج ضعيف وغير حي أو فعال، والمعروف علمياً من فسيولوجية خلايا القلب أنها إذا ماتت لايمكن أعادتها إلى الحياة مالم تتدخل القدرة الإلهية على يد الطبيب بأسرع وقت ممكن قبل أن تصل إلى مرحلة اللاعودة، ومن هنا يتبين لنا كم هي غالية كل ثانية ودقيقة في حياة هذه الخلايا وبالتالي حياة القلب وعامل الزمن هذا هو ماتحرص عليه وتشدد كل الأنظمة الصحية المتطورة حينما تواجه مثل هذه المشكلة القاتلة .وهنا أسرد مثالاً مختصراً يبين كيف يتعامل العالم المتحضر الذي يحترم ويقدر الحياة الإنسانية بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والانتماء والغرض من هذا المثال هو لفت القارئ العزيز لأهمية عامل الوقت فحين يدخل المريض إلى الطوارئ وهو يشكو من ألم في الصدر ويشتبه أنها ذبحة صدرية فإن كل الطاقم الطبي من أطباء وممرضين مؤهلين يستنفرون ويعملون في نفس اللحظة بسرعة وتناغم، حيث إنه يجب عليهم خلال العشر الدقائق الأولى (حسب الإرشادات العالمية لأمراض القلب) أخذ تاريخ المريض بشكل دقيق ومركز وأخذ العلامات الحيوية من ضغط ونبض وتنفس وإعطاء المريض الإسبرين مضغاً وموسع الشرايين تحت اللسان والأكسجين ووضع إبرة وريدية وإعطاء المورفين لتسكين الألم وحقنة أخرى لتمييع الدم وعمل تخطيط القلب وأخذ الفحوصات المخبرية اللازمة ووضع المريض على جهاز مراقبة القلب المستمرة وتحضيره لأي قسطرة محتملة مع إعادة التخطيط كل 10-5 دقائق، فإذا تبين أن هناك دلائل مؤكدة على وجود جلطة قلبية (احتشاء عضلة القلب) فيتم إضافة بعض الأدوية المهمة وريدياً والتي لامجال لذكرها الآن ثم ينقل المريض إلى قسم القسطرة، حيث يكون طبيب القلب والممرضون المؤهلون على أهبة من الاستعداد لاستقباله، فيجب أن نعلن أنه حسب الإرشادات الطبية العالمية فإن الفترة التي تبدأ منذ دخول المريض إلى الطوارئ حتى يوضع على طاولة القسطرة يجب أن تكون بحدود التسعين دقيقة .ولم نستعرض هنا خيار إعطاء الحقن التي تذيب الجلطة المسماة (إبرة الحياة) والتي يجب توافرها في كل مستشفى لايتواجد في قسم القسطرة، ولكني أشير إلى أن الدراسات العالمية كافة تثبت أفضلية القسطرة العلاجية (التداخلية) على هذه الحقن وبمضاعفات أقل كنزيف الدماغ أو احتمالية تكرار الجلطة .والآن ماعلاقة مدينة عدن بما سبق ذكره في مشكلة طبية بحتة ؟ هذا السؤال يقودنا إلى أسئلة عديدة ولعل أهمها هو هل يعقل أن تكون مدينة بحجم عدن (على سبيل المثال وليس الحصر) بهذا العدد المتزايد من السكان والكثافة السكانية المكتظة لايوجد فيها حتى مركز واحد متخصص في أمراض القلب مجهز بكوادر طبية وقدرات تشخيصية عالية من مختبرات وأشعة وأقسام القسطرة التشخيصية والتداخلية مدعمة بغرف عمليات القلب المفتوح فهل يعقل هذا ؟فكم أتمنى أن أرى عدن وهي تفخر بهكذا إنجاز وصرح طبي يساند ويخفف الضغط عن مدينة صنعاء التي على الرغم من ازدحامها بالكثير من مراكز القلب الحكومية والخاصة، فإنها تتحمل مشكورة النصيب الأكبر من هذا الجهد للتخفيف من وطأة هذه المعضلة الصحية والاجتماعية . ومن هنا وبالنظر إلى ماقد أسلفنا ذكره من أهمية بالغة للثواني والدقائق في إنقاد حياة الإنسان من هذا المرض الفتاك نتساءل بحسرة وأسف هل سيتمكن هذا المريض المسكين والمنهك من أن يصل إلى صنعاء في الوقت المناسب وهو على قيد الحياة ؟ الله أعلم
No comments:
Post a Comment