مشكلة التبول الليلي
ملايين الأطفال يظلون غارقين في مستنقع هذه المشكلة بعد تجاوزهم سن السادسة
التبول الليلي مشكلة يعاني منها الكثير من الأطفال.. وهي تحمل شحنة من المعاناة للأهل، والإذلال للطفل الذي يجد نفسه في وضع حرج. يزداد صعوبة عند مقارنته بغيرة من الأخوان أو الأقران.
والتبول الليلي اللاإرادي حالة تنطبق في الحقيقة على نوعين من الأطفال: الذين لا يحققون التحكم بالنفس بصورة مستمرة لستة أشهر على الأقل، وأولئك الذين استطاعوا تحقيق ذلك لتلك الفترة ولكنهم ارتدوا مرة أخرى للتبول من جديد. وتصيب الحالة 7 ملايين طفل فوق السادسة في الولايات المتحدة، التي يزيد تعدادها على مائتين وستين مليوناً. وهي مشكلة يتردد الأطباء وأولياء الأمور في طرحها للنقاش. وتظل الكثير من العوائل غير مدركة للأسس التي تختفي وراءها، ولا تعلم بأن هناك مساعدة. كما أن طبيب العائلة لا يدنو منها في كثير من الأوقات. وبالتاليب يزداد تورط الطفل بها أكثر وأكثر. وما يفتح باب الأمل هو أن هناك فرصة 15% للتحسن كلما كبر الطفل عاماً واحداً.
ومع ذلك هناك واحد من كل 20 صبياً في سن 12، يظل يتبول ليلاً مرة في الشهر أقلاً. والتبول الليلي يؤذي الطفل نفسياً ويشيع الاضراب في حياته الاجتماعية. فهو ينكمش عن المشاركة في المبيت بيت جده مثلاً كبقية أخوته، أو الرحلات والمعسكرات، أو الرحلات الليلية التي يرتبها النادي أو المدرسة بسبب هذه العقدة، فضلاً عما يلاقيه من تلميحات وتصريحات تمس شخصه في الصميم. والسؤال: ماهو الحل الأفضل لهؤلاء الأطفال؟ وما هو السن الأنسب لبدئه؟
هل تثقل كاهل الطفل لئلا يتبول؟ في أي سن يفترض أن ينقطع تبول الطفل في فراشه ليلاً؟ طبعاً ستقول الأمهات: كلما كان أبكر كلما كان أفضل. وفي أحد الاستطلاعات كانت الاجابة على هذا السؤالهي سنتان وسبعة أشهر، وهو الوقت الذي يترك فيه الأطفال الحقاظات خلال النهار، بينما نص الأطباء في نفس الاستطلاع على أنها خمس سنوات، أي أن الفرق أكثر من عامين بين الإجابتين.
والضغط على الأطفال لثنيهم عن التبول قبل أن يتهيأوا لا يؤتي بنتيجة في العادة، بل يزيد من التوتر النفسي للطرفين، فالأطباء ينظرون إلى إحضار أطفال الثالثة والرابعة للعلاج، إنهم صغار جداً، وأقل سن يتوقعون من الأطفال عدم التبول فيه ليلاً هو الخامسة.
ويعزي التبول الليلي إلى عدة مشاكل: من التوتر النفسي وعدم الإحساس بالحاجة والتحدي والحساسية،، وحتى طريقة استخدام المرحاض. ولكن بعض الأطباء يتحفظون أمام ذلك باعتبار التبول الليلي مرتبطاً أكثر بجنس الطفل، والوراثة ومعدل النمو الطبيعي للطفل، أكثر مما يرتبط بالإحساس أو موقف الوالدينز هناك الكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى اعادة نظر حول الموضوع، وأكثرها شيوعاً هو أن التبول الليلي ناشئ عن مشاكل نفسية. ولكن الحقيقة أن أحداث الحياة المضطربة، مثل تغيير السكن أو الطلاق لها دور محدد وذلك لمحدودية حدوثها. ولا ننسى أن هؤلاء الأطفال طبيعيون وفي صحة جيدة، ومن عوائل طبيعية تتمتع بالصحة أيضاً.
الفئة المعرضة للمشكلة إحدى الحقائق حول هذه المشكلة هو ما تلعبة الوراثة بالموضوع. ففي عام 1995 حدد الباحثون مورثة (جين التبول الليلي) وأكدو ما كان موضع شك الأطباء فيما سبق، أي أن المورثات تساعد على تحديد متى يمكن أ، يتوقف الطفل عن التبول الليلي. فإذا كان أحد الوالدين عانى في صغره من هذه المشكلة، فإن فرصة إصابة الأطفال تبلغ 40%، أما في حالة الوالدين فإن النسبة ترتفع إلى 70%، والمشكلة عند الذكور_ الذين يكون التحكم بالمثانة لديهم أبطاً – هي ضعف الأناث.
إحدى القارئات تقول: "إن عائلتنا مكونة من ستة أخوة، إناثاً وذكوراً. ثلاثة منهم عانوا من هذه المشكلة. وأنا شخصياً لم أتوقف عن ذلك حتى بلغت العاشرة، فهل تستغربون أن ثلاثة من أطفالي الخمسة الآن يعانون من ذات المشكلة؟ ولهذا السبب استخدمت سراويل قصيرة (هافات) مبطنة تحجز البول عن الانتشار. " وتقارن ذلك بالسابق: "كانت أمي تضع بساطاً بلاستيكياً فوق الفراش وتمد عليه الشرشف لئلا يتنجس الفراش.
وعندما تحدث الكارثة كل يوم، عليها أن تغسل البساط والشرشف وأحياناً الفراش أيضاً إذا ما تعدت إليه الرطوبة."
ولأن هذه المرأة مرت بالتجربة وعانت من مرارتها.. فإنها تحاول التخفيف عن أطفالها والتعامل بواقعية مع مشكلة هم أنفسهم غير راغبين في استمرارها، تقول: "لماذا أضغط عليهم وأسبب له مزيداً من التوتر والإحراج في أمر ليس بأيديهم، ولا يرغبون في استمراره أصلاً؟".
وبالإضافة إلى ناحيتي جنس الطفل والمورثات، هناك عوامل اخرى متداخلة. فبعض الأطفال من النوع "الثقيل الرأس" فإذا وضعوا رأسهم على الوسادة غطوا في نوم عميق، فلا يشعرون بالحاجة إلى التبول عند امتلاء مثانتهم، ولا يشعرون إلا بعد فوات الأوان وهم غارقون في مستنقع بارد من الرطوبة. والأدهى أن الأحلام تدخل هنا على الخط بدور تخريبي! يقول أحد الآباء الذين يدركون هذه الآلية موضحاً: "إنك تشعر بحاجة للحمام في النوم، وتحلم بأنك قد ذهبت إليه وتشرع في التبول ... ولا تشعر بعدها إلا والرطوبة تتسلل إلى جسمك .. باللكارثة".
من جانب آخر هناك أطفال مثانتهم أصغر من المعتاد، وبالتالي سعتها في احتواء البول أقل من غيرهم. وهناك أطفال آخرون أكثر حساسية للمشروبات أو المأكولات المنتشرة، فثلث هؤلاء تقريباً يتخلفون عن أقرانهم قليلاً في إنتاج هرمون ADH، والذي يتحكم في الرغبة بالتبول ويقلل من إنتاج البول في الليل. وأجبار الطفل على التوقف عن التبول في تاريخ محدد عمل غير مثمر. وبداً من ذلك – كما يقول الأطباء- ينبغي أن يركز الوالدان على رد فعل الطفل تجاه التبول ووتقدير رغبته في التغلب على المشكلة، ثم يمكنها الاتفاق متى يتم البحث عن المساعدة مع التسليم بأن ذلك أمر صعب، فالكثير من الأمهات يزعجهن تبديل الشراشف وغسل الملابس يوماً بعد يوم، وينصب تفكيرهن على مسألة واحدة: كيف أنهي هذه المشكلة؟
والتبول الذي يستمر ويعرقل حياة الطفل ويعقدها، ويؤثر على نفسيته يحتاج إلى مراجعة الطبيب. في البداية سيسأل عن تاريخ العائلة، بدءاً بالوالدين... وانتهاء باخوة الطفل وأفراد العائلة، وهذه المعلومات تعطيه فكرة تقريبية عن موعد توقفه عن التبول، كما قد يقوم بفحص جسدي عن وجود مرض مثل التهاب المسالك البولية الذي يزيد من المشكلة. بالإضافة إلى أنه قد يجري تصوير المثانة بالأشعة لمعرفة ما إذا كانت هناك أية أسباب غير طبيعية جسدياً وراء المشكلة. واجراء فحوصات لتحديد سعة المثانة. ومع أن الأسباب المحددة يمكن علاجها، إلا أن الأطباء يؤكدون على عدم وجود حل سحري ناجح لكل الأطفال، فهي مسألة خاضعة للتجربة والخطاء لمعرفة الطريق السليم، كما أن العلاج الناجح يحتاج إلى وقت، إضافة إلى الالتزام والصبر.
طريق النجاح بدأ علاج التبول الليلي بالتغيرات السلوكية فالكثير من أولياء الأمور يمكنهم مساعدة أطفالهم بتغيير عادات معينة تؤثر على التبول ليلاً. فمثلاً استبعاد أو التقليل من تلك المأكولات والمشروبات المعروفة بمهيجات المثانة، كالشوكولاتة والفواكة الحمضية والعصائر والكافين والأخير مدر قوي للبول، لذلك سيحدث تغير ملحوظ عند الحد منه.
والإمساك قد يسبب امتلاء الأمعاء فتضغط على المثانة في الليل، لذا من الجيد زيادة الألياف في غذاء الطفل بزيادة الفواكه والخضراوات لتنظيم حركة البطن.
كما أن الكثير من الأطفال لا يذهبون إلى المرحاض في أوقات قريبة من وقت النوم، ويمكنك الإطمئنان من بدئة ليلته بمثانة فارغة إذا عاود الحمام مرتين قبل أن يأوي إلى فراشه، مع تجنب الشرب قبل 30 دقيقة من النوم. وبالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بالسلوك، قد يقترح الطبيب تجربة العلاج. تقنياً هناك جرس تبول يعمل بإطلاق الصوت عندما يحس بأول قطرات من البلل، فيوقظ الطفل قبل أن يكمل تبوله. والعلاجات الطبية يمكن أن تساعد على ترخية المثانة المجهدة أو زيادة سعتها في استيعاب البول. ولكن الأهم دعم الوالدين لإنقاذ الطفل من هذا المأزق. فمن السهل أن نندفع في اللوم والتوبيخ – بل والعقاب أيضاً- على التبول، ولكنها طرق غير فعالة، والأسوأ أنها تجرح مشاعره. إنها أشبه ما يكون بأن تضرب شخصاً نائماً لأ،ه عطس، فكيف يمكن تحميله المسؤولية على شيء يحدث له وهو نائم؟ ألم يرفع عن ابن آدم – شرعاً وعقلاً – ما يأتيه وهو نائم؟
إن الأسلم والأصح أ، نساعد الطفل بدأب ومثابرة وصبر. وعلينا أن ندرك أن الطفل نفسه يتأذى من استمرار مشكلته، ويتساءل بينه وبين نفسه متى سأتوقف؟ وربما يكون الحل في التقليل من السوائل قبل النوم، ودخوله بيت الخلاء قبل فترة وجيزة من النوم لإفراغ مثانته، أو عدم التعرض لهواء المكيف فيبرد ويتبول مما يستدعي تخفيض درجة برودته. وقد يتطلب الأمر مساعدة الطبيب سواءً بتناول أقراص أو توسعة المثانة الصغيرة. أو تشجيعه على شرب المزيد من السوائل خلال النهار لزيادة سعتها. وعلينا أن نتذكر أن كل الأطفال بدون استثناء سيتغلبون على هذه المشكلة، طال الزمان أم قصر. وعلينا أن نفكر بدورنا فيما نقوم به من عمل إيجابي، يخفف عن الطفل الضغط، ونرفع عنه الملامة، ونساعده على تجاوز مشكلته بدل أن نزيده هماً وضغطاً وتقريعاً.
No comments:
Post a Comment